السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكوك يارب الناس...يا إله الناس..!
من ظلم الناس.. وجفاء الناس ... وجحود الناس...وخداع الناس !
هذه زفرة قد تتردد في صدور الكثير منكم في إحتكاكه مع عالم النفوس البشرية ..وصدامه مع أفكارهم وأحوالهم وتصرفاتهم.
وكلما ازداد عمر الإنسان يوما ..كلما تعلم شكلا جديدا من تشكلات الناس .
في "ناس" ينعاسف جداًإندهاشها وتعجبها من أفعال (الناس) على صورة إكتئاب أو صدمة لا يكاد يفيق منها حتى يقع في غيرها..
وبعضهم تنتابه حالة من اللامبالاة فقد اعتاد على هذا منهم..
والبعض الآخر -وهذا قليل- وهو من تداركته رحمة الله وتعرف إلى تلك الطباع فأورثته ثباتا ووضوحا في الرؤية.
فدعونا نتشارك بذكر ما تيسر مما تعلمناه من مدرسة الحياة "الإنسانية" ..!
في كل مرة إن شاء الله ستكون لي وقفة مع نمط من الأنماط البشرية الكثيرة التي نحتك بها في الحياة ونحللها ونشخِّصها بعيدا عن كتب التنمية البشرية..تاركين لأنفسنا مساحة من إعمال الفراسة وتبادل الخبرات.
أو اذكر حكمة تعلمتها من موقف شخصي لكن لا تسرد الموقف الشخصي بل اسرد فقط الحكمة مجردة وياحبذا لو استخدمت السجع في صياغتها لتكون أقرب للذهن في إستحضارها فيستفيد غيرك منها..
وأخيرا بعض التراكيب الشخصية من كتابتي وبعضها منقولة عن بعض العقلاء ممن تبنيت نفس مذهبهم في تحليلها مع بعض الاضافات بما يناسب ويوافق رؤيتي لها.
والان مع اول دروس الانماط البشريه
* تأملات في أنماط بشرية *
(1)
من أصعب وأعتى الشخصيات في تعامل الإنسان معها
وهي فعلا من البلاء أن يصاحب المرء أمثالها
شخصية المتكبِّر
لأن الكبر أقرب الصفات للكفر .. وهي الصفة التي أخرجت إبليس من الجنة.
للمتكبر كبر ظاهر وكبر باطن ..
أفعال ظاهرة يقصد بها التكبر ويعي تماما مرادها ومردودها (مثلا كإظهار تفرده في العلم والعمل والفهم والخبرة )..
وأفعال باطنة تصدر عن عقله الباطن وعن اللاوعي الكِبري المتأصل في نفسه (أفعال كدا عبيطة ومظهرة فارغة)!!
فهو شخص مريض قد يشعر بأفعاله .. وقد لا يشعر .
ومرضه هو : عقدة نقص حادة جداا ... فكل من يحاول أن يرسم لنفسه صورة الكمال في كل المجالات .. لم يدفعه لذلك إلا شعوره بالنقص .. فهو يظن أنه شخص خارق .. يستطيع أن يجمع بين كل العلوم والفنون وأنه يحسن فهمها والتكلم فيها .. وأنه يحسن التصرف في كل المواقف .. ولا يمكن أن يخيب تقديره أبدا .
هذا السعي الزائف لصورة الكمال هو ما ولد عنده شعور دائم بالنقص .. يسعى لتعويضه دائما ..
وربما ظن البعض أن النقص بهذه الصورة شيء جيد .. إذ أنه يعوض النقص ويسعى لإصلاحه ..
وهذا صحيح لو كان يسعى إلى الكمال حقيقة .. فساعتها سيكون جهبذا في كل العلوم وانسان متميز بالفعل .
لكن لاحظوا أني قلت أنه يسعى ل (صورة) الكمال لا حقيقته ... الصورة التي تجعل من أمامه ينبهر به بغض النظر عن صدق هذه الصورة وسلامتها ...
وسبب أنه لا يسعى لحقيقة (الكمال ) المحمودة .. إنه بقاله سنين في العجرفة والكبر ورسم صورة العلم والفهم .. ولو كان حصّل من العلم طرفا لظهر هذا في تواضعه فإن العلم يزيد الإنسان تواضعا وانخفاضا ... والعلم يزيد الإنسان علما بجهله ونقصه ..
وهو لا يزيد حقيقة في الصفات التي يجب أن يكون عليها الإنسان الكامل ... بل هو يزداد عيوبا فيها .. هو انسان واقف عند أول شبر من العلم وعند المظهر ... وهو لا يحتاج غيره ليظهر فيهقته الكاذبة .
وهكذا فإن هذا الشعور بالكمال في نفس المتكبر لا ينتج عن كمال أعماله .. وشعور العظمة الذي يحيط به نفسه لا ينبع من عظمة أفعاله ... فليس الكبر فيه مصدره إيجابي .. بل سلبي المصدر ... فهو يعتنق تماما مقولة
( بعض الناس عظماء لأن المحيطين بهم حقار النفوس )
ويسعى لتطبيقها دون أن يشعر .. وبـ (لا وعيه)
فهو يصغّر من حوله قولا وفعلا .. بالرغم من أنه ليس هناك من هو خال من العيوب!!
لذا تجده يكره الجلوس كثيرا مع شخص أفضل منه عند الناس ولا يطيق جلسة يعظّم فيها الجالسون شخصا غيره .. وهذا الشخص لم ينتزع هذه (الأفضلية ) عند المتكبر لكونه خال من العيوب التي يعيش عليها المتكبر ويقتات بها ويستمد منها كبره .. ولكن لأنه شخص ذكي أخفى عيوبه عن المتكبر وتحرز في التبسط معه.. فلم يجد المتكبر عيبا ظاهرا يلجأ إليه في انتقاصه .. أو وجد عيبا ولازال يراه ضخما في عينيه مع تعاميه عن عيب نفسه و مورد هلاكه.
والمتكبر مستبد برأيه ..
لا يكاد يقبل قولا غير قوله .. وإلا كان هذا قدحا في عصمته (الموهومة المزعومة) ... وهو نادرا ما يسأل غيره على سبيل (الإستفهام والتعلم ) .. وانما يسأل بصيغة (التقرير ) ... هو مش كدا صح ؟ هو دا كدا التمام ,تمام؟.. وانتا لازم تقول : عداك العيب يا كبير .
وهناك مقولة تصدق فيه : لا يتعلم اثنان ,مستحي ومتكبر .
وقد لخص النبي صلى الله عليه وسلم صفات المتكبر في كلمتين بليغتين فقال : الكبر بطر الحق (رد الحق) وغمط الناس (أي احتقارهم وانتقاصهم).
المتكبر شخصية شريرة وانتقامية
لذلك صدامه وإفحامه وتبيان جهله وعجرفته بشدة .. لن يجدي معه!
فأنت بإفحامه والإنتقاص منه تذعره عليك ... لأنه لا يملك غير كبرياءه ويجمع حوله حياته .. فإذا جرحته في حياته .. لن يتورع عن اغتيالك إن سنحت له فرصة ذلك.
فأنت بهذا لا تنهي المشكلة , بل تبدأها.
والعداوات كثيرة .. فلا فائدة من إضافة عداوة جديدة .. والعمر أقصر من هذا كله .
*النصيحة:
أقلل ما استطعت الجلوس معه .. يكون تواجدك معه في أضيق الحدود مع إظهار الود وتجنب الخصام ..
فهو يسعى لأن تجالسه ويتودد اليك في ذلك لا حبا ولا تعظيما ولا ودا لك .. بل لأنه يريد ان يعرف عن صفات نقصك البشري أكثر وأكثر ليشبع رغبته في الكبر .. فذاك هو غذاؤه .
وأنت بإقلالك في الجلوس معه تقطع عليه مصدر إلهامه فلا يطلع على عيوبك التي تغذي كبره وتجبر عقدة نقصه.
أما إن أردت أن توقع في قلبه الحسرة و أن تعاقبه أشد العقاب وتؤلمه أشد الايلام.. فإن أقوى ما تؤذيه به هو مداواة ما يعلمه عنك من عيوب ..
فهذا أعظم ما تعاقبه به فأنت ابتداءا ستمنعه أن يطلع على المزيد من العيوب بإقلالك من مجالسته ... ثم تسعى في جبر النقص الذي استمد منه كبره ... حينها تيقن أنه يموت بالبطيء دون ضربة مباشرة منك ودون مواجهة يترتب عليها حقد دفين ورغبة انتقامية .
كما يقول بن الجوزي : فإذا أردت أن تؤذيه فأول ما تؤذيه به إصلاحك لنفسك و اجتهادك في علاج ما يعرفك به .
الثلاثاء ديسمبر 22, 2009 5:27 pm